تأثير بارنوم

حنان مشقوق
نشرت منذ 5 أيام يوم 13 أبريل, 2024
بواسطة حنان مشقوق
تأثير بارنوم

ألم تعتقد يومًا بوجود بعض القواسم المشتركة بين ما يسمى علم التنجيم وتوقعات الأبراج وقراءة الحظ واختبارات الشخصية؟ ألا تعتقد أن الأمر يتعدى كونه قدرات فردية على التنبؤ بمستقبل بلايين الناس؟! فسر العلم هذه الظاهرة وفق ما يسمى تأثير بارنوم. فما هو مبدأ بارنوم؟! لنتعرف على هذا سويًا.

شرح قراءه الأكواد ا…شرح قراءه الأكواد الغير متوافقة مع فهرس

ما هو تأثير بارنوم

“يولد ساذج في كل دقيقة”، بهذه العبارة الغريبة، دعا لاعب الخفة بي تي بارنوم العديد من الأشخاص إلى إعمال التفكير في بعض عروض السحر، أو الاختبارات الشخصية وغيرها. وبدأ انتشار مفهوم يدعى مفهوم بارنوم نسبة إليه.

ويدل تأثير بارنوم، أو تأثير فوريير، إلى إحدى ظواهر علم النفس التي تحدث عندما يخدع الأفراد باعتقادهم أن بعض الصفات الشخصية العامة منطبقة عليهم بشكل محدد، أو ربما أكثر من غيرهم، على الرغم من حقيقة انطباق هذا الوصف على العديد من الناس المختلفين.

تجربة فوريير

وكان أول من بحث في خفايا هذا المصطلح هو عالم النفس بيرترام فويير عندما أجرى عام 1948 تجربة نفسية على 39 طالب من علم النفس. أقنع فريير طلابه أنه يجري بعض الأبحاث، ويدرس شخصياتهم بشكل مفصّل. وبعد أسبوع واحد أعطى كلًا منهم ورقة نتائج فردية مزعومة، وطلب منهم تقييم انطباقها عليهم. وتمثلت بعض نتائج هذه الورقة كما يلي:

  • تحتاج لأشخاص يحبوك ويعجبوا بك.
  • لديك ميل شديد لانتقاد نفسك.
  • أنت شخص منضبط ومتحكم بنفسك من الخارج، إلا أنك شديد القلق والاضطراب والخوف من الداخل.
  • دائمًا ما تشكك في مدى صحة قرارك.
  • تعتقد أنه من غير الحكمة كشف أسرارك جميعًا للآخرين.
  • لديك بعض الأحلام والتطلعات غير الواقعية.
  • تميل لأن تكون شخصًا منفتحًا محبوبًا في بعض الأحيان، بينما تميل في أحيان أخرى إلى الانعزال والانطوائية، والحذر.

ثم طلب فوريير من طلابه تقييم البيانات الواردة ومدى انطباقها على شخصياتهم وفق مقياس دقة من 0 (البيانات غير صحيحة) إلى 5 درجات. وقد صنف الطلاب دقة النتائج بمتوسط بلغ 4.3 درجات.

ربما ستقول أن الصدفة لعبت لعبتها هنا، أوافقك الرأي فذلك ممكن. لكن ماذا إن أخبرتك أن جميع الأوراق المعطاة للطلاب متطابقة! نعم، لم يجرِ فوريير أي تجربة أو دراسة نفسية على طلابه، بل أوهمهم بذلك. ثم كرس مهارته الإقناعية لإقناعهم أنه يقدم لكل منهم حصيلة دراسة شخصياتهم على مدى الأسبوع ليقيموا دقتها.

وما ساعد في ذلك، هو استخدامه لعبارات محددة تعكس مزيجًا من المحتوى السلبي والإيجابي. على سبيل المثال، استخدام فوريير عبارة “في بعض الأحيان”، مما جعل أسلوبه مقنعًا ومؤثرًا.

مبدأ عمل تأثير بارنوم

بالنظر إلى أن هذا التأثير يستفيد من التخبّط القابع في شخصية كلٍّ منّا؛ فمن المهم أن نفهم مبدأ عمل تأثير بارنوم، والتي تتمثل فيما يلي:

تفضيل الإيجابيات

أولًا، وقبل كل شيء، نحن كبشر ميّالون للإيمان بالإيجابيات وتصديقها، وخاصة تلك المرتبطة بنا تحديدًا. بل نتخذها كتحليلات وتنبؤات دقيقة إن مثلت تنبؤًا لحدث مستقبلي ما نرغب في حدوثه. وذلك ببساطة لأن الأوصاف الإيجابية التي نعزوها إلى أنفسنا تغذي غرورنا، وتجعلنا نشعر بالإطراء.

لنتطرق إلى الفكرة من منحى آخر، ولنأخذ مثالًا لوصفين شخصيين. أودّ منك أن تختار أيهما يشبه شخصيتك بشكل أكبر:

  • أنت مستمع سيء للغاية، ولا تأخذ أفكار ونقاشات الآخرين على محمل الجد.
  • أنت مفكر مستقل، تحب التفكير العميق، وتفكر خارج الصندوق عند حل مشاكلك.

أعتقد أنك اخترت الوصف الثاني. أليس كذلك؟! ذلك لأن معظمنا يفضل فقط امتلاكه صفات مميزة عن غيره. وهذه هي الطريقة التي يعمل وفقها المنجّمون ومحللو الأبراج والشخصيات.

تمهل قليلًا!.. ألم ترغب في التفكير في الأسباب التي تدفعنا حقًا للميل للصفات الإيجابية؟ هل يساعدنا هذا حقًا على برمجة شخصياتنا إيجابيًا؟

يعزو علم النفس هذا الميل إلى أننا ومن خلال تصوير امتلاكنا لهذه الخصائص الإيجابية، فإننا نهدف إلى الاندماج في المجتمع بشكل أفضل، وتكوين علاقات اجتماعية أقوى وأمتن. لذا تساعدنا هذه الغريزة الفطرية على التكيف مع ظروف الحياة المتغيرة باستمرار منذ بداية تاريخنا.

تفضيل النسبية

ألم يسبق لك أن أسقطت وصف أحدهم أو بعض المعلومات التي قدمها حول شخصيتك مع أحداث وتصرفات تقوم بها باستمرار. لأقول لك ذلك بطريقة أخرى، أنت تكافح يوميًا لرسم ابتسامة على وجهك أمام عائلتك. ما الذي فكرت به الآن؟!

لا بد أنك فكرت بأن هذا صحيح! وأن ما قلته ينطبق عليك، فأنت شخص مكافح، يحب إسعاد الناس، لذا يميل إلى الابتسام أمامهم حتى لا يشعروا بسوء ما يمر به من ضغوط لإعانتهم. هل لي بسؤال صغير الآن؟! لمَ لمْ تفكر بأنك شخص درامي جداً، يحب لعب دور الضحية، ويديم التفكير بهذا الأمر حتى يعيش حالة من الكآبة من ظلم المجتمع والحياة؟!

حسنًا! يعود هذا الأمر إلى أننا جميعًا نؤمن بالمعلومات التي تتطابق مع توقعاتنا، ونتجاهل تلك البعيدة عنها. وبهذه الطريقة، نأخذ الأوصاف المكتوبة بشكل عام على أنها فريدة من نوعها، ونسقط ما يناسبنا منها على تجاربنا اليومية.

لنتكلم بشكل أكثر دقة، يخبرك برجك بأنك ستنجز الكثير خلال هذا اليوم. أليس ذلك رائعًا؟! هذا هو بالضبط ما تريد سماعه، وتحتاج إلى التفكير به كحافز لإنجاز المهام الموكلة إليك. وهذا هو السبب الذي يدفعك إلى الاعتقاد بأن هذه المعلومات منطبقة عليك ثم تزرعها في عقلك وتسير وفقها خلال اليوم.

مبدأ بوليانا

هو ظاهرة نفسية أخرى، تفسّر مبدأ عمل تأثير بارنوم. ويعرف أيضًا باسم التحيز الإيجابي. ويمثل ميل الناس إلى تذكر الأحداث الممتعة بدقة أكبر من الأحداث السلبية المزعجة. وهذا أمر منطقي، ألا تعتقد ذلك؟!

فلماذا قد يريد أحدنا تذكر الأشياء التي تجعله يشعر بتعاسة؟! هذه نفس الفكرة التي يدور حولها تأثير بارنوم.

أمثلة على تأثير بارنوم

ربما تعجب أن حيلة بارنوم هذه تنطلي عليك على مدار اليوم، وكل يوم. حتى في هذه اللحظة، وأنت تستخدم جهازك المحمول، فأنت تخضع لتأثير بارنوم ربما.

تأثير بارنوم في التنجيم والسحر وتوقعات الأبراج

آلية تاثير بارنوم في السحر وتوقعات الأبراج

بدأ الاهتمام بتوقعات الأبراج منذ ما لا يقل عن ألفي عام. ومنذ ذلك الحين، بدأ الناس يميلون إلى قراءة الأبراج والتفسيرات اليومية، والتنبؤات المختلفة عنها. وبدأ الناس يرتادون إلى العرافين وقارئي الفناجين وغيرهم. ويعود السبب في اقتناع الناس بهذه التكهنات والتنبؤات إلى أن العرافين والسحرة وغيرهم يُعتبرون سادةً في علم النفس البشري وتطبيق تأثير بارنوم.

ومن المفاهيم الهامة التي يعتمدها هؤلاء هي القراءة الباردة القائمة على تعميم الأوصاف بشكل كبير. مثلًا، قد يقول لك أحدهم: “لديك قدر كبير من الطاقة التي تستغلها للتعامل مع المشاكل التي تواجهك في حياتك. ومع ذلك، لست على علم بهذا. أوصيك بمنح نفسك بعض الوقت لاكتشاف هذا الجانب من نفسك، لتدرك ما أعنيه”. وإن أمعنت التفكير، ستجد أن هذا الكلام ينطبق على العديد من الحالات لكثير من الناس.

هذا يعني أن توقعات الأبراج حول مقابلتك لحب حياتك في هذا العام، أو إنجابكِ طفلًا، أو حتى استشاطت غضبًا في هذا المساء، قد يجوز أن يتحقق، لكن بكل تأكيد لن يتحقق على جميع مواليد هذا البرج. تذكر معي قليلًا، عندما تخبرك توقعات الأبراج بأنك ستخوض بعض المشاكل، فهل يحدث ذلك دائمًا؟! بالنسبة لي أقول لا. إلا أننا اعتدنا على التفكير بالأفكار الجيدة وتناسي تلك السيئة.

تأثير بارنوم على منصات وسائل التواصل الاجتماعي

تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مثل Spotify وNetflix هذا التأثير عندما يتعلق الأمر بإدارة تجربة مستخدميها، وتخصيص محتواها لكل منهم. على سبيل المثال، تعمل كل من نتفلكس وسبوتفاي على تخصيص قسم مقترحات خاصة بك في صفحاتها الرئيسية. إذ ينشئ كلا الموقعين محتوى تلقائيًا استنادًا إلى تفضيلات المستخدم السابقة. ومع ذلك، عندما نشاهد هذا المحتوى معروضًا بهذه الطريقة المخصصة لنا، فذلك سيدفعنا تلقائيًا للاعتقاد بأن هذا المحتوى مصمم ليناسبنا شخصيًا.

مثلًا، تحب نتفلكس إرسال اقتراحات الأفلام لكل مشترك كأحد أساليب التسويق عبر البريد الإلكتروني. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من المستخدمين تصلهم نفس القائمة، إلا أننا جميعًا ننخدع بعبارة “مخصص لك”.

اختبارات الشخصية على فيسبوك

اختبارات الشخصية من وجهة نظر بارنوم

ألم يسبق أن جربت أحد الاختبارات التي تقيس شبهك بإحدى الشخصيات الشهيرة؟ أو ربما شاهدت إحداهن قد شاركت نتيجة اختبار الحب بينها وبين زوجها! يعتقد بعض الناس أن هذه الاختبارات قائمة على طرق تحليلية علمية، في حين يتصور البعض الآخر أنها مجرد تسلية لا معنى لها وتجربة ممتعة يقضون بها بعض الوقت. تعتبر هذه الاختبارات معممة ويمكن أن تنطبق على حشد كبير من مجرّبيها. رغم أنها لا تعطينا أي نتيجة واقعية.

ولنؤكد لك مدى تأثير هذه الاختبارات، فقد جذب أحد اختبارات Buzzfeed الذي يحدد شبهك شخصية من مسلسل صراع العروش ما يزيد عن مليوني تجربة خلال فترة قصيرة.

بسكويت الحظ

تطبيق تأثير بارنوم في بسكويت الحظ

وتعتبر بسكويتات الحظ الشهية منتجًا آخر شائعًا، يحمل في طياته استخدامًا نفسيًا لتأثير بارنوم. حيث تشتري إحدى هذه البسكويتات، لتجد فيها ورقة مكتوبة عليه نصيحة أو عبارة إيجابية ما، تجعلك تعتقد أنها مؤشر لتنبؤ مستقبلي لأحداث حياتك.

تجنب تأثير بارنوم

كما هو الحال في الكثير من الحالات، يعتبر الوعي أفضل طريقة لتجنب الوقوع في شباك هذه الحيل. وعلى الرغم من أن الاستماع إلى أبراج قد يشكل متعة لدى البعض، لكن يجب تجنب الوقوف في موقف الساذج، وإمعان التفكير في كل المواقف التي قد تحتمل إعمال تأثير بارنوم فيها.

فإدراك وجود هذه الظاهرة في حياتنا، وفهم مبدأ عمل بارنوم، يعتبر الخطوة الأولى لتقليل دورها في تحديد قراراتنا. حتى نتعلم كيفية التشكيك بالمنجمين ومدّعي المصداقية والقدرات الخارقة، والابتعاد عن اختبارات الشخصية غير ذات المعنى.

في النهاية، ربما يدرك الكثير منا أن التقييم الجيد لشخصيته يستند إلى تحليل الحقائق. لذلك نميل إلى الاعتقاد أن العراف أو اختبارات الشخصية تعرفنا أكثر من أي شخص آخر. لذا يُفضل التفكير دائمًا بشكل علمي، والتأكد من جميع المعلومات قبل الاعتقاد والإيمان بها، والبحث عن مصادرها العلمية وهياكل صياغتها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

    موافق